ذاكرة إدريس الصبايحي
عرائش الامس باسيادها وفنانينيها ورساميها وموثقيها وعلمائها مزهرة ومشعة كنجمة حديثة الولادة في السماء بريقها يغوي بالتأمل وبالحب وبكل ما هو جميل وبديع.
نجم سطع بريقه بالامس واجتاز زمانه وحياته القصيرة والكبيرة الحبلى بقلوب كل العرائشيين .
عمو كما كانو يسمونه لترديده اياها لكل من يصادفه ببهحة وضحكة وشخصية جميلة بهندام متناسق كتناسق اسنانه البيضاء،عينان جميلان ينعكسان في صوره الملتقطة بكل دقة وجمالية،هو من اصبحت صوره ارشيفا جميلا للعرائش الجوهرة الزرقاء،هو الوسيم المرحوم ادريس الصبايحي.
ولد ادريس بمدينة فاس عام 1950 وانتقل صحبة والديه للعيش بالمدينة الزرقاء واختار باب بحر والمدينة القديمة فضاءا للعيش وسقل موهبة واحترافية التصوير،عاش الزمن الذهبي بالمدينة،ساحة التحرير انذاك قلب ينبض بالرواج التجاري والاجتماعي ،هناك كان يوضب لعبه ويستقبل زبانئه الذي يختارون احداها لتصوير ابنائهم وبناتهم،وبمحله بسوق الصغير تجد نفسك داخل متحف فني مصنف،كاميرات تؤتث الرفوف ولوحات للمدينة التي عشق امواج بحرها وتوسد هديرها قبل نومه ،يذكر ان محله الاول الكشك بجوار البلدية الذي يتواجد به الاخ كمال.
عمو ادريس له 4 اولاد،بنتان وولدان،انجبهما بحب كبير وبعشق الولهان،المرحومة غيثة زوجة صارمة تقنن التقاليد،سيدة عرائشية قحة اختارت مسار قلبها الذي حثها على الرجوع للمدينة والاستقرار بها وترك المهجر،الحب يعمي بصيرة كل الولهانين وعشقها للصبايحي حثها على ذلك.
استقروا بمنزلهم بباب بحر ،الام ركيزة الاسرة بالداخل وادريس يثابر بالخارج من اجل لقمة العيش بعدسته التي اتحفت اللوحات على الجدران بدروب وازقة الزرقاء العرائش.
داع صيته وعدسته لاحترافيتها ولخاطره الواسع و لاحترافيته في التعامل مع الصغير قبل الكبير.
سنطرال كانت ملهمته وفضائه الذي يحتسي فيه قهوته الصباحية والمسائية فقد كانت قبلة للفنانين والادباء فدونت في كتبهم وما محمد شكري الا واحد منهم فقد كان يجلس بها قبل ام يفرق بين الالف والزواطة حسب قوله في احدى الكتابة.
عمو ادريس كان غالبا ما ترافقه للمقهى احدى بناته التي كان يكن لها حبا غريبا لدكائها و دلعها،بل كل ابنائه يحسبنهم اصدقائه قبل ان يكون والدهم.
انتشر صيت الصبايحي بجديته في العمل واحترامه للمواعيد
واحترافيته في التصوير فتهافتت عليه الطلبات والمواعيد لتصوير افراحهم ومسراتهم واصبحت كاميراته وعدساته تلج كل البيوت بل وكان له الشرف في تشريف نفسه وعمله بتصوير مدينة العرائش جوا في وثائقي بواسطة هلكبتر،فقد كان موسوعة لتوثيق المدينة وافراح سكانها.
عاش حياته صحبة عائلته وخلانه وابناء العرائش كلها،وولج كل البيوت بقلبه ومات فجأة وبدون سابق اعلان.
يوم الخميس من عام 2006 كان منزويا ببيته صحبة عائلته ،نفسيته لم تطاوع الخروج فانزوى ببيته وبزاوية كان يفضلها قبالة شاشة تلفازه،طرق بابه بعض اصدقائه وترجوه للسفر لمدينة القنيطرة والحوا على رفقته لهم لما له من روح مرحة وطابع جميل من المودة والايخاء بينهم،بعد اخد ورد اقتنع بالسفر معهم للقنيطرة بغية لقاء احد اصدقائه الذي رافقهم لصاحب فيلا بطريق البلايا من اجل شراءها.
وصلوا بسلام وبمدخل القنيطرة التقوا الشخص وباشروا النقاش معه،عمو ادريس بقي داخل السيارة منزويا وكانه يمدد القدر ويابى ان يموت كما كان مقدرا له،عمو ادريس ينتبه لبائعة ورد واشتال تناديه لتعرض بضاعتها عليه ينزل مبتسما اليها لتخطف روحه سيارة طائشة بسرعتها بسيدي بوقنادل يومه الاربعاء 30 ماي من عام 2006.
ابتسامته البهية رافقته لدار البقاء،فاجعة بدون سابق اعلام،والعرائش تفقد عم الجميع وجنازة مهيبة يوم الجمعة خرج فيها الصغير والكبير فقد كان محبوبهم وزارع السعادة بينهم،الاناس الطييون نفقدهم بصمت،نبكي وننوح وتأزمنا ذكرايتهم ولكن تبقى اعمالهم وسيرتهم للتاريخ.
جل اعماله كانت بمحفظة كبيرة داخل محله الذي كان استوديو للتصوير،تكلف احدى ابنائه بفتحه بعد وفاته،زيارات الكثيرين للمحل من اصدقاء وغرباء وصغر سن ابنه لم يكن كافيا لحماية ما بداخل المحل من اعمال وادوات وكاميرات وغيرها.
ضاعت المحفظة الكبيرة في الحجرة الصغيرة وضاعت الكثير من الاعمال معها في نكران كلي لتاريخه و ذاكرة المدينة المصورة بعدسته الثاقبة التي ابدعت في كل التفاصيل .
ادريس الصبايحي معلمة تاريخية للمدينة ولسجلها المكتوب والملموس،وما تخصيص بعض الجمعيات لمسابقة للتصوير باسمه الا اعتراف كبير بشخصيته الفنية العظيمة واعتراف كلي بما قدمه للمدينة التي عشقها ناهيك عن الصور الكثيرة له بابتسامته العريضة بالعالم الازرق كعربون حب ووفاء لشخصيته الفريدة.
عمو الصبايحي فلترقد روحك بسلام.