ثقافية

ملاحات العرائش

      محمد عزلي   

حكاية الملح والممالح بالعرائش قديمة قدم التاريخ، فقبل أزيد من 2000 سنة، وتحديدا في بداية القرن الأول قبل ميلاد سيدنا المسيح، شيدت بحاضرة ليكسوس معامل لتمليح السمك والتي تعتبر من أهم المنشآت الصناعية تاريخيا في غرب البحر الأبيض المتوسط وأول مصانع تصبير الأسماك عرفتها المنطقة، ومن الطبيعي أن تعرف صناعة الملح من خلال تبخير مياه البحر بضفة النهر المقابلة لمجمع الصناعة السمكية هذا نشاطا وازدهارا موازيا استمر إلى يومنا هذا باستمرار النشاط الصناعي والتجاري المرتبط بالسمك، فحتى بعد انتقال المدنية في العصر الوسيط من الضفة اليمنى لمصب وادي لوكوس حيث موقع ليكسوس إلى ضفته اليسرى حيث تتواجد مدينة العرائش ظلت (الملاحات أو الممالح أو الملالح كما ينطقها أبناء المدينة) محافظة على تواجدها الحيوي وموقعها بجانب الوادي كما توضحه العديد من التصاميم التي وصلتنا ومن بينها تصميم بيرناردو ألديريت لمدينة العرائش سنة 1614 إبان الاحتلال الإسباني الأول. هذا ونسجل أنه تم استحداث مشروع ممالح العرائش في إسبانيا لنفس الغرض وبشكل وطريقة مشابهة سنة 1694 أي 5 سنوات بعد تحرير المدينة على يد المولى إسماعيل وخروج الإسبان منها، حيث أنشأت ممالح العرائش (SALINAS DE LARACHE) بخليج صغير سمي أيضا على اسم العرائش (ENSEADA DE LARACHE) بالشمال الغربي لإسبانيا على مقربة من الحدود البرتغالية الشمالية حيث توجد بلدة صغيرة تسمى (فيلابوا VILABOA) تتموقع بين مدينتي (بونتيفيدرا PONTEVEDRA) و (فيغو VIGO) وهي إلى اليوم لاتزال تحمل نفس الاسم.يعتقد الكثير من الباحثين المهتمين بتاريخ المدينة أن مكان الممالح بين الموقع الأثري ليكسوس ومدينة العرائش يخفي الكثير من الأسرار التي قد تكشفها الأبحاث الأركيولوجية خاصة تلك المتعلقة بالمرسى الذي عرف ازدهارا تجاريا على مدى التاريخ القديم حيث ارتبط ذكره ودوره الهام بحضارات الأمازيغ، الفينيقيين، الموريين، القرطاجيين، النوميديين، الرومان، وكذا الحضارة الإسلامية والدول التي عاصرتها؛ المرفأ التجاري الذي لم يحسم الباحثون أمر توطينه إلى اليوم.تعتبر ممالح العرائش من الفضاءات الرمزية الشهيرة بالمدينة فهي بكل تأكيد جزء أصيل من الذاكرة المحلية وصورة نمطية لكل أبناء المدينة وزوارها من كل الأجيال، فموقعها بالمدخل الشمالي للمدينة على الطريق الوطنية رقم 1 بسحر المنظر العام الغير الاعتيادي، يجعلك تحس بشعور رائع تمتزج فيه فرحة الوصول إلى الديار والاندهاش المتكرر في كل مرة تنظر فيها لجبال الملح وتلك المربعات والمستطيلات المائية المتناسقة التي ترافقك إلى مدخل المدينة كواحدة من أجمل الإطلالات التي قد تصادفك على مدى ربوع المملكة المغربية، هذا المنظر افتقدته العين واشتاقت إليه نفوس أبناء العرائش لمدة قاربت العقد من الزمن بسبب توقف نشاط الممالح.وفي إطار مشروع ترميم، صيانة، وإعادة الإدماج الوظيفي لممالح العرائش ذات الحمولة التاريخية والأهمية الإيكولوجية من قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتعاون مع كل من جمعية مجموعة حماية الطيور بالمغرب (GREPOM)، وشركائها الهولنديين، تم إحداث تعاونية سيلاراش (SELARACHE)  لإنتاج وتسويق الملح ومشتقاته من جهة، ومن جهة أخرى المحافظة على القيمة التاريخية والإيكولوجية البالغة الأهمية لمنطقة الممالح بسافلة حوض اللوكوس باعتبارها من المناطق الرطبة  المصنفة ضمن قائمة رامسار (RAMSAR) العالمية للمناطق والمحميات الرطبة.وقد أعطى السيد عامل إقليم العرائش يومه الأربعاء 9 ماي 2018 مرفوقا بممثل المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، المندوب الجهوي للتنمية المستدامة، رئيس مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب، وعميد الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش، انطلاقة ندوة وطنية حول “الطيور المهاجرة والمحافظة على المناطق الرطبة” تضمنت في برنامجها زيارة ميدانية لمشروع تأهيل ملاحات العرائش حضرها وفد من الباحثين والمختصين وممثلي الإدارات العمومية والدوائر الأمنية والمصالح الخارجية وكذا نشطاء المجتمع المدني الذي يتبنى الدفاع عن الطيور والمحميات والمناطق الرطبة.
وبعد انتهاء أشغال الصيانة وترميم أحواض إنتاج الملح وتهيئتها للعمل من جديد، بما فيها عملية ترميم البناية المتهالكة القديمة التي تعود لفترة الشركة الإسبانية التي أدارت المشروع في فترة الحماية بمدينة العرائش، والتي روعي فيها عنصر المحافظة على شكلها الأصلي وخصائصها المعمارية الإنشائية، عادت عملية إنتاج الملح من جديد بمعايير ومواصفات جودة عالية ابتداءً من صيف سنة 2019.لكن المشكل الذي يؤرق العمال والمشرفين على المشروع اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو المنعرج النهري الحاد المحاذي للممالح، والذي ينخر يوميا من الضفة ويأكل من مساحة الاشتغال الرئيسية حيث يستخرج الملح في مرحلته النهائية، وهي مساحة ضيقة ومهددة بالمزيد من التآكل مما يقتضي بالضرورة بناء حواجز صخرية أو حتى تهيئة رصيف نهري يحمي الممالح من جهة، ومن جهة أخرى يسمح بإمكانية الاستثمار السياحي في فضاء أركيولوجي إيكولوجي واعد بالعطاء. 


معامل تمليح وتصبير السمك بموقع ليكسوس الأثري يرجع تاريخها إلى القرن الأول ق.م

تصميم بيرناردو ألديريت لمدينة العرائش سنة 1614 إبان الاحتلال الإسباني الأول في القرن 17

ممالح العرائش منذ 1694 بخليج العرائش شمال غرب إسبانيا على مقربة من الحدود البرتغالية

ممالح العرائش بين موقع ليكسوس الأثري ومدينة العرائش

صور لملاحات العرائش في فترة اشتغالها

صور لملالح العرائش بعدة توقفها عن الاشتغال لفترة زادت عن 10 سنوات

صور جوية لموقع الممالح وشكلها العام

الندوة الوطنية حول “الطيور المهاجرة والمحافظة على المناطق الرطبة” ترأسها عامل إقليم العرائش

 صور من عملية إعطاء السيد عامل إقليم العرائش إنطلاقة أشغال ترميم وتهيئة ممالح العرائش

 الأشغال بملاحات العرائش، قصد صيانة وترميم أحواض إنتاج الملح وتهيئتها للعمل من جديد بعد توقف فاق 10 سنوات

عملية ترميم البناية القديمة التي تعود لفترة الشركة الإسبانية التي أدارت المشروع في فترة الحماية

السيد علي براحة، 35 سنة من الخبرة في ممالح العرائش، رئيس تعاونية سيلاراش SELARACHE، المسؤول عن خط إنتاج الملح






الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق